التاريخ الحقيقي و ليس المزيف:
حكاية بطل عاد اليوم من المنفى إلى أرض الوطن بعد 166 سنة .
منقول عن المؤرخ الجزائري : الدكتور محمد لمين بلغيث
---------------------------------------
قصة شريف جزائري مع خونة الدين والوطن
لالة فاطمة نسومر: "أيها الشريف، لن تتحول لحيتك إلى عشب أبدا!"
قبل قرابة ثلاث سنوات كتبت قصة عن محمد الأمجد بن عبد المالك المعروف بـ #الشريف_بوبغلة، والحقيقة أنني كنت أكتب وأتعجب من الرجل.. من ذكائه في الحشد والحرب.. لكنني عندما وصلت لأكتب نهايته واكتشفت تفاصيلها بكيت بيني وبين نفسي.. ففي التاريخ المدرسي قالوا لنا إنه استشهد ولكن لم يقولوا لنا كيف..!؟
واليوم، عرفت بأن نهاية الشريف كانت مؤلمة جدا.. نهاية رجل جريح حارب فرنسا من 1851 إلى 1854، أذاقها فيها وعملاءها السم القاطع كل يوم..
واليوم اليوم، أنا سعيد جدا بعودة رأس الشريف إلى الجزائر.. كأني ربطتني به رابطة.. ياهلا بالشريف في أرضيه التي نحنحت فيها فرسه وصهلت هناك في القبائل.. هلا بالشريف الأمجد.. حيا الله روحك.. حيا الله رأسك الجليلة.. إنني أقبلها وأنحني لها تكريما وتشريفا أيها الشريف..
لقد بحثث عن الموضوع الذي كتبت فلم أجده في أرشيف الموقع، وكان علي أن أسهر قليلا لأفيد حضراتكم به، لأن الشريف يستحق السهر.. لأن الجزائر تستحق العمر..
في السابع أفريل 1854، قالت لالة فاطمة نسومر للشريف بوبغلة "أيها الشريف، لن تتحول لحيتك إلى عشب أبدا"، وكانت تعني أنك رجل صنديد وستبقى كذلك ولن تذهب تضحياك هدرا، ومعروف أن اللحية دلالة على تمام الرجولة عند أجدادنا وقبلهم أنبياؤنا جميعا.
قالت لالة فاطمة هذه العبارات الذهبية للشريف - وما أحلاها وأعذبها عندما تقولها امرأة لرجل - قالتها له عندما اندفعت إليه لتسعفه من جراحه التي أصيب بها في معركة كبيرة تواجه فيها بوبغلة ونسومر من جهة ضد النقيب الفرنسي وولف في وادي سيباو وانتصر المجاهدون وجرجر الجنرال وولف جيشه مثخنا بالدماء مجلجلا بهزيمة مذلة مسربلا بالعار..
لم ينس وولف أفاعيل الشريف بجنوده، ولم ينس جنرالات فرنسا كيف دوّخهم سنوات، كرّا وفرّا ومواجهة، لم ينسوا كيف كان يحسن التخفّي منهم في الليل وفي النهار، رغم جواسيسهم التي كانت تتعقبه كظله.
من أجل كل هذا توعّد الحاكم العسكري راندون، في رسالة كتبها في 21 ماي 1845 بمعاقبة الشريف، وجاء في الرسالة "إن هدفي الأول هو ضرب قبيلة بني جناد، التي قدمت العون في المدة الأخيرة للشريف بوبغلة، الذي ينبغي أن يعاقب، ويكون عقابه درسا اآلخرين، وبعد ذلك أوجّه جهدي إلى القبائل الأخرى.."
ألهذه الدرجة آلمهم الشرف فجعلوه على رأس أهدافهم!؟
نظرة خاطفة على سيرة الشريف، ستكشف لكم لماذا كادوا له كل هذا الكيد.. لقد كان بارعا في ضربهم بطريقته الخاصة، طريقة اختص بها الشريف وحده.
شرّد الشريف جيوش فرنسا في منطقة القبائل، قتل عملاءها، ألب عليهم القرى والقبائل في جرجرة والمنطقة كلها وهو القادم من سور الغزلان، أين كانت له بغلة يتنقل عليها، كان يقوم خطيبا ويحرض الناس على قتال الفرنسيس وكرههم.. طاردته فرنسا ففشلت في القبض عليه.. لقد أنهكها.. أحرقت من أجله أكثر من 29 قرية بينها عزازقة.. كان شبحا غير عادي.. كان سيد الأشباح!
والآن إلى نهاية الشريف.. هل تعلمون أن الذي قطع رأسه جزائري، رغم أن الشريف طلب منه أن يسلمه لفرنسا حيا، إليكم القصة:
في 21 ديسمبر 1854 خرج الشريف رفقة رجاله خوفا من الوشاية، ويا للأسف كان عيون فرنسا ممثلة في القايد لخضر بن أحمد المقراني خلفه.. لقد رصدوا الشريف ولاحقوه ليمسكوا به ولسوء الحظ كان مصابا بجرح، وبسبب كثرة الأوحال تعثرت فرسه فأطلق عليه الخونة النار فترجل وواصل الفرار جريا، فأطلقوا عليه النار عليه فأصابوه في ساقه ورغم ذلك زحف كي يخرج من الأرض الموحلة، إلا أن القايد لخضر لحقه مع رجاله وألقوا عليه القبض..
طلب الشريف من القايد أن لا يقتله وطلب يضا أن يأخذه حيا ويسلمه لفرنسا، إلا أن القايد لخضر ارتمى عليه وقطع رأسه بيده ثم أخذ الرأس وسلمها لحاكم برج بوعريريج، أما الحاكم فربط رأس الشريف على عصي وعرضوا حصانه وسلاحه وثيابه والختم الذي كان يستعمله في مراسالته، وانتهت بذلك قصة ثائر عظيم مثل كل ثوار الجزائر..
هذا سرّ أخذ فرنسا رأس الشريف إلى متاحفها في باريس ووضعها مع رؤوس أماجد آخرين في علب.. لقد استكثرت عليه أن يدفن رحمه الله، ووالله إنها لميتة ومجد يستحقان زغاريد نساء الأرض جميعا..
كتبه الدكتور محمد لمين بلغيث
إرسال تعليق